جريدة الرياض - 10/31/2025 12:52:04 AM - GMT (+3 )
 
                
            
             الأندية الرياضية أصبحت مؤسسات اقتصادية واجتماعية ضخمة
غياب الرقابة وضعف الشفافية من الأسباب الرئيسة وراء أزمات الأندية
الخطوات المتسارعة في الرياضة جعلت من البيئة السعودية نموذجاً ملهماً لدول المنطقة
لم يعد ممكنًا إدارة الأندية بعشوائية أو بالاعتماد على الحماس وحده
الحوكمة توازن دقيق بين التمكين والرقابة
لم تعد الأندية الرياضية مجرد ساحات للتنافس على البطولات، بل تحولت إلى مؤسسات اقتصادية واجتماعية ضخمة تحمل أبعادًا مالية واستثمارية وثقافية، في ظل هذا التحول، برزت الحوكمة كأحد المفاهيم المحورية التي تحدد قدرة الأندية على الاستدامة والنمو في بيئة رياضية تتسم بالتعقيد والمنافسة العالمية.
جوهر الحوكمة في البيئة الرياضية
تمثل الحوكمة مجموعة القواعد والأنظمة التي تضمن إدارة الأندية بطريقة شفافة وعادلة ومسؤولة. في السياق الرياضي، تتجلى الحوكمة في وضوح الهياكل الإدارية وتوزيع المسؤوليات بشكل منظم، والشفافية المالية في التعامل مع الإيرادات والمصروفات، وإمكانية المساءلة أمام الأعضاء والجماهير والجهات التنظيمية، مع التركيز على الاستدامة كهدف استراتيجي يوازن بين الطموح الرياضي والاستقرار المالي، يشكل هذا الإطار حماية للأندية من سوء الإدارة والفساد، ويمكنها من المنافسة بفاعلية على الساحة العالمية.
الحاجة الملحة لتطبيق الحوكمة 
شهدت السنوات الماضية أمثلة عديدة لأندية عالمية واجهت أزمات مالية رغم امتلاكها جماهيرية ضخمة، حيث كان غياب الرقابة وضعف الشفافية من الأسباب الرئيسية وراء هذه الأزمات، تأتي أهمية الحوكمة من دورها في جذب المستثمرين الذين يبحثون عن بيئة آمنة ومنظمة، وحماية الجماهير باعتبارهم أصحاب الانتماء الحقيقي للأندية، وضمان العدالة عبر الحد من تضارب المصالح والقرارات الفردية غير المدروسة.
المعادلة الدقيقة بين التمكين والرقابة
قد يتبادر إلى الذهن أن الحوكمة تمثل قيودًا تعرقل حرية الأندية، لكن الواقع يؤكد أنها توازن دقيق بين التمكين والرقابة. يتمثل التمكين في منح إدارات الأندية صلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات المالية والفنية والتسويقية، بينما تضمن الرقابة أن هذه القرارات تتخذ في إطار قانوني ومالي واضح يراعي مصالح المساهمين والجماهير والجهات المنظمة، بدون هذا التوازن، قد تتحول الأندية إلى كيانات تجارية بلا هوية، أو تواجه خطر الانهيار بسبب سوء الإدارة المالية.
النموذج السعودي في تطبيق الحوكمة 
ضمن رؤية السعودية 2030، تم اعتماد أنظمة واضحة للحوكمة في القطاع الرياضي، حيث تم إصدار لوائح تنظم عمل الجمعيات العمومية للأندية، وتفعيل الرقابة المالية على العقود والانتقالات، وإنشاء لجان متخصصة لمتابعة الأداء الإداري والمالي، إلى جانب تعزيز المشاركة المجتمعية في اتخاذ القرارات. هذه الخطوات جعلت من البيئة السعودية نموذجًا ملهمًا لدول المنطقة، حيث تسعى الأندية للتحول من كيانات تعتمد على الدعم الحكومي إلى مؤسسات مستدامة ذات إدارة احترافية.
التحديات والعقبات في طريق التطبيق 
رغم التقدم الكبير، لا تزال هناك تحديات تواجه تطبيق الحوكمة الفعالة، أبرزها استمرار ثقافة الإدارة التقليدية في بعض الأندية التي تفتقر للمؤسسية، والمقاومة الداخلية التي قد تواجه الأنظمة الجديدة من أطراف ترى في الشفافية تهديدًا لمصالحها، بالإضافة إلى الحاجة للكوادر المؤهلة ذات الخبرة في المجالين الاقتصادي والرياضي.
نحو استدامة رياضية شاملة
لا تمثل الحوكمة غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الاستدامة الرياضية والمالية. فالأندية التي تطبق مبادئ الحوكمة بنجاح تصبح قادرة على تحقيق التوازن بين الفوز بالبطولات والاستقرار المالي، وتعزيز ثقة الجماهير والمستثمرين، ورفع قيمتها السوقية محليًا وعالميًا.
في عصر أصبحت فيه الرياضة صناعة بمليارات الدولارات، لم يعد ممكنًا إدارة الأندية بعشوائية أو بالاعتماد على الحماس وحده. تمثل الحوكمة الضمانة الحقيقية لاستمرار الأندية كقوى رياضية واقتصادية واجتماعية. ومع كل التحديات، فإن الالتزام بمبدأ «التمكين مع الرقابة» سيمكن الأندية من مواجهة المستقبل بثقة، وتحقيق التوازن المنشود بين شغف الجماهير ومتطلبات الاستدامة الطويلة المدى.
- رئيس مجلس إدارة نادي الدرعية السابق
إقرأ المزيد

 
                            
                    



