جريدة الرياض - 9/15/2025 1:58:38 PM - GMT (+3 )

لطالما كانت حالات مرض الأمعاء الالتهابي المشخّصة أقل من معدلات الإصابة الحقيقية، على الرغم من وجود أكثر من 10 ملايين شخص مصاب بهذا المرض حول العالم. إلا أن مجموعة متنامية من البيانات السريرية المكتشفة وضعت تصوراً جديداً لهذا المرض الصامت، لا سيما في المملكة العربية السعودية. فبعد أن كان يعد مرضاً نادراً، بات اليوم يمثل تحدياً صحياً ملحّاً، حيث تسجّل المستشفيات في أنحاء المملكة ارتفاعاً مُطرداً في الحالات، خصوصاً بين المراهقين والشباب. ويعكس هذا التحوّل ما هو أكبر من مجرد تحسين القدرات التشخيصية، إذ يسلّط الضوء على تحولات أوسع في أنماط الحياة والعوامل البيئية وأولويات الصحة العامة، وهي عوامل تدفع المملكة إلى ضخ الاستثمارات الموجهة لتعزيز معدلات الكشف المبكر، وتوفير رعاية متعددة التخصصات، وتعزيز التوعية الصحية بهذا المرض.
إن مرض الأمعاء الالتهابية هو مصطلح يجمع بين العديد من إضطرابات الجهاز الهضمي المزمنة، ومناعية المنشأ، مثل داء كرون والتهاب القولون التقرحي، وهي اضطرابات تستدعي تلقي الرعاية مدى الحياة. وفي المملكة العربية السعودية، يلاحظ أطباء الجهاز الهضمي اتجاهاً يدعو للقلق. فغالباً ما يُشخَّص المرضى في مرحلة متأخرة من المرض، بعد سنوات من سوء تشخيص الأعراض وتدهور جودة الحياة. ويُعدّ التعرّف على المؤشرات المبكرة مثل ألم البطن، ونزيف المستقيم، وفقدان الوزن، والإرهاق أمراً بالغ الأهمية للتدخل المبكر، وتحسين النتائج على المدى الطويل، وتجنب المضاعفات كالجراحة أو الإعاقة عن عيش حياة طبيعية.
وفي هذا السياق، قال الدكتور معن الخطابي، استشاري أمراض الجهاز الهضمي ومرض الأمعاء الالتهابي بمستشفى السلامة بجدة: "إن مرض الأمعاء الالتهابي ليس كأي مرض آخر يتم تشخيصه وعلاجه في فترة زمنية قصيرة، بل حالة صحية طويلة الأمد تتغير بمرور الوقت. لذلك يتعين علينا تأسيس مسارات للرعاية تعكس حقيقته، ما يعني ضرورة مواصلة التوعية بالمرض، وإحالة المرضى سريعاً للمتخصصين، وتحسين كفاءة التنسيق بين التخصصات الطبية وخدمات الرعاية الداعمة مثل التغذية والطب النفسي وخدمات تثقيف المرضى. وإذا ما أردنا تحسين المخرجات العلاجية، يجب أن يتخطى تفكيرنا العلاج ليصل إلى الاستثمار في منظومة كاملة للرعاية".
جهد مشترك بين القطاعات لتعزيز الرعاية
لمواجهة هذه التحديات، تعمل المملكة العربية السعودية على بناء منظومة صحية أكثر كفاءة في إدارة الأمراض المزمنة، تجمع بين الشراكات العالمية والتعليم الطبي والبحث في أنماط انتشار الأمراض الإقليمية. كما أصبحت المملكة مؤخراً من أوائل الدول عالمياً التي تقدم أحدث الحلول المبتكرة للمصابين بمرض الأمعاء الالتهابي، في خطوة تمثل إنجازاً بارزاً في مسيرة قطاع الرعاية الصحية بالمنطقة.
من جهتها قالت البروفيسور نهلة عزام، أستاذة الطب واستشارية أمراض الجهاز الهضمي في جامعة الملك سعود وعضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للجهاز الهضمي: "يعد التركيز المتصاعد على التشخيص وتعزيز الوعي بالمرض في المملكة العربية السعودية خطوة حيوية نحو تكوين فهم جماعي لماهية هذه الحالة الصحية. فمن خلال تثقيف المرضى ومقدمي الرعاية الصحية حول العلامات المبكرة وطبيعة المرض المزمنة، نرسي أسس التدخلات المبكرة وندعم مسارات الرعاية الشاملة التي يمكنها إحداث فارق كبير في جودة حياة المرضى. ومع زيادة درايتنا بمرض الأمعاء الالتهابي في المنطقة، يتعين علينا تكثيف التعاون بين مختلف القطاعات انطلاقاً من أهميته الحيوية في تعزيز التشخيص المبكر وتحسين إدارة المرض على المدى الطويل".
وفي تعليق له على هذا الإنجاز، قال فرانسيسكو بلازا، المدير العام لشركة "جونسون آند جونسون للأدوية المبتكرة" في المملكة العربية السعودية: "يعتبر التشخيص المبكر عاملاً أساسياً في تغيير حياة المرضى الذين يعانون من مرض الأمعاء الالتهابي. ونحن في ’جونسون آند جونسون‘ فخورون بمساندة المملكة العربية السعودية في توفير أحدث الحلول للمرضى ودعم مجتمع الرعاية الصحية. ولاشك أن الابتكار العلمي يجب أن ينطلق من واقع المنطقة، وهذا يعني الاستماع إلى الأطباء السعوديين، ودعم أولوياتهم، وضمان حصول المرضى في المملكة على حلول مبتكرة ونماذج رعاية متكاملة وشاملة تُلبي الجوانب البدنية والنفسية والاجتماعية للمرض".
إرساء أسس المستقبل
مع استمرار المملكة العربية السعودية بتوسيع قدراتها السريرية، يرى الخبراء أن الأبحاث المحلية ستلعب دوراً محورياً في المرحلة المقبلة. ففهم الخصائص الفريدة لظهور المرض، والاستعدادات الجينية، والعوامل البيئية المحفِّزة لمرض الأمعاء الالتهابي بين السكان العرب، سيُسهم في صياغة الجيل المقبل من استراتيجيات الرعاية.
تُعد "جونسون آند جونسون" من أبرز المساهمين في هذه الجهود، وتستند بذلك إلى إرث راسخ يمتد لأكثر من 30 عاماً في مجال علم المناعة والأمراض المناعية. وإلى جانب بصمتها العلاجية، تبقى الشركة ملتزمة بدعم المرضى، وتعزيز الشراكات مع المتخصصين في الرعاية الصحية، ودفع عجلة البحث نحو حلول مبتكرة. ومن خلال مبادرات مثل إطلاق أول برنامج لمركز تميز لمرض الأمعاء الالتهابي عام 2022 بالتعاون مع الجمعية السعودية للجهاز الهضمي، تواصل الشركة دعم الرعاية متعددة التخصصات وتعزيز أفضل الممارسات في التشخيص المبكر والإدارة الشاملة للمرضى.
ضمن مشهدٍ صحي يزداد تركيزه على الرعاية الشخصية والوقائية، يشكّل مرض الأمعاء الالتهابي تحدياً وفرصة في آن واحد، ويقدم دعوة لرؤية الأمراض المزمنة وطرق التعامل معها من منظور جديد. وفي ضوء الالتزام المتنامي للمملكة العربية السعودية بتبني نهج استباقي قائم على البحث العلمي، أصبح مرض الأمعاء الالتهابي أكثر وضوحاً وحضوراً. ومع هذا الوضوح تأتي الخطوات العملية المتمثلة في التشخيص المبكر، وأنظمة الدعم الأكثر كفاءة، والنتائج العلاجية الأفضل لينعم بها آلاف المرضى في أنحاء المملكة ممن يتعايشون مع هذا المرض الذي كثيراً ما يبقى صامتاً دون اكتشاف. ومع كل خطوة، لا تكتفي المملكة بإدارة المرض فحسب، بل تؤسس مرحلة جديدة لرعاية الأمراض المزمنة.
إقرأ المزيد