لبنان بحاجة إلى 11 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية
جريدة الرياض -

النساء في جنوب لبنان يؤكدن أن الحرب «بعدها مستمرة»

بعد مرور نحو عام على الهدنة التي كان من المفترض أن تُهدئ الأوضاع على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، لم يعد عشرات الآلاف من السكان بعد إلى بلداتهم المدمرة في الجنوب، إذ ما زالت الضربات الإسرائيلية القاتلة واحتمالات إعادة الإعمار الضئيلة تمنعهم من العودة.

ومن بين هؤلاء المزارعة زينب مهدي (50 عاما)، التي فرت من منزلها في بلدة الناقورة الحدودية العام الماضي عندما اشتدت الحرب بين إسرائيل وميليشيا حزب الله المسلحة، لتنضم إلى أكثر من مليون شخص فروا من قرى الجنوب الجبلية.

وعلقت زينب مهدي، مثل كثيرين ممن غادروا، آمالها على وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وتم الاتفاق عليه في 26 نوفمبر لعام 2024 ونص على وقف الأعمال القتالية «لتمكين المدنيين على جانبي الحدود من العودة بأمان إلى أراضيهم ومنازلهم».

الضربات الإسرائيلية

في حين توقف إطلاق الصواريخ من لبنان، واصلت إسرائيل غاراتها ولا تزال قواتها التي تحتل تلالا في لبنان تسوي المنازل بالأرض، وفقا للسكان والمسؤولين اللبنانيين والمنظمات الحقوقية.

وتقول إسرائيل إن ضرباتها بعد الهدنة تستهدف جهود حزب الله لإعادة إنشاء مواقع عسكرية أو تدريب مقاتلين جدد، متهمة الميليشيا الأسبوع الماضي بإخفاء «نشاط إرهابي تحت غطاء مدني في لبنان». وقالت إسرائيل في فبراير إنها بحاجة إلى إبقاء قواتها في لبنان «لحماية المواطنين الإسرائيليين» حتى يتم تسليم المنطقة بالكامل إلى القوات اللبنانية.

ونفى حزب الله أنه يسعى إلى إعادة تشكيل قوته العسكرية في جنوب لبنان ويقول إن إسرائيل تضرب المنطقة عمدا لمنع المدنيين من العودة إلى ديارهم.

وذكرت زينب مهدي التي تعمل الآن في مشروع زراعي تموله هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مدينة صور الساحلية «دمروا أي منزل كان لا يزال قائما أو أرض لا تزال في حالة جيدة. اقتلعوا مضخات المياه من الأرض ودمروها. لقد تحطمت كل مضخات الري التي كانت في الأرض. ليس لدي أي شيء».

دمار أعقب الهدنة

وصفت منى يعقوبيان، وهي مستشارة أولى ومديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وتيرة الضربات بأنها «الوضع الطبيعي الجديد» في لبنان. وعبر مراقبون عن قلقهم من أن يكون ذلك مؤشرا على ما قد تؤول إليه الهدنة الهشة في غزة، إذ قد تستمر الضربات دون أن تتصاعد إلى حرب شاملة.

وفي 11 أكتوبر، استهدفت غارات إسرائيلية في جنوب لبنان ساحات بناء على بعد نحو 40 كيلومترا من الحدود، مما أدى إلى تدمير أكثر من 300 مركبة منها جرافات وحفارات.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه قصف «آلات هندسية تستخدم لإعادة بناء بنية تحتية للإرهاب». وذكر الرئيس اللبناني جوزاف عون أنها أصابت منشآت مدنية.

وذكرت مؤسسة «استوديو أشغال عامة» البحثية اللبنانية أن عشرات الهجمات الدامية استهدفت أشخاصا يحاولون العودة إلى ديارهم ويستخدمون الحفارات لإزالة أنقاض منازلهم أو يسعون إلى ملء خزانات المياه على أسطح منازلهم.

واستعرضت رويترز لقطات للناقورة مأخوذة بالأقمار الصناعية قدمتها بلانت لابس تظهر الوضع بالبلدة في 19 يناير، أي بعد شهرين تقريبا من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وفي 14 سبتمبر.

وبمقارنة اللقطات لكلتا الفترتين، تسنى لرويترز رصد تعرض ما لا يقل عن 20 مبنى للدمار في الناقورة، إذ بدت في الصور الملتقطة في سبتمبر علامات بيضاء مائلة للرمادي في أماكن أبنية كانت قائمة في صور يناير. وبالنظر إلى أن المباني كانت سليمة في يناير، فإن هذا يشير إلى أنها دمرت في غارات جوية وليس في إطار جهود إعادة الإعمار.

وعند سؤال الجيش الإسرائيلي عن الصور التي تظهر الدمار في الناقورة وفي قرية أخرى، وهي حولا، قال إنه نفذ عمليات دقيقة ضد حزب الله.

وأضاف الجيش في بيان لرويترز «تضم القريتان المشار إليهما العديد من البنى التحتية الإرهابية التابعة لمنظمة حزب الله الإرهابية، كائنة داخل مبان مدنية وتحت الأرض وفي مناطق زراعية كثيفة».

«بعدنا عايشين بالحرب»

تقول المنظمة الدولية للهجرة إن أكثر من 64 ألف شخص ما زالوا نازحين في لبنان، من بينهم ما يقرب من 1000 فروا من المناطق التي نفذت فيها إسرائيل غارات هذا الشهر.

ولا يزال بعضهم يعيش داخل مدارس في صور.

وحولت منيفة عيديبي (47 عاما) مشروعها لإعداد وجبات الطعام إلى مطبخ مجتمعي عندما كثفت إسرائيل هجماتها في 23 سبتمبر 2024 للنيل من جماعة حزب الله وبدء ما يطلق عليه اللبنانيون «حرب 66 يوما».

يستخدم مطبخ عيديبي المجتمعي، الذي تدعمه أيضا هيئة الأمم المتحدة للمرأة، حصاد مزرعة زينب مهدي لإعداد 1350 وجبة يوميا للنازحين المقيمين داخل مدارس.

وقالت عيديبي بينما كان الطهاة، وهم أيضا من النازحين، يعدون الطعام داخل المطبخ «كنا متوقعين إنه بس يخلصوا 66 يوم حرب كنا أكيد هنوقف.. ما توقعنا إنه العالم ما ترجع على بيوتها».

والنزوح المستمر هو مجرد واحد من عدة مؤشرات على أن عمال القتال لم تنته على الإطلاق. فقد أشارت عيديبي إلى غارة في الآونة الأخيرة على بلدة بنت جبيل أودت بحياة أطفال وتحذيرات إسرائيل بالابتعاد عن القرى الجنوبية وأزيز الطائرات الإسرائيلية المسيرة في السماء يوميا.

وقالت «ما خلصت الحرب لترجع.. نحن بعدنا عايشين بالحرب... الحرب بتخلص وقت إسرائيل بتفل عن لبنان.. وقت بتترك لبنان كليا وبتفل... لما ما بيكون في مسيرات بالجو.. لما ما بتقصف (إسرائيل) كل يوم بيت».

وقالت إسرائيل في أغسطس إنها مستعدة لتقليص وجودها العسكري في لبنان إذا اتخذ الجيش اللبناني خطوات لنزع سلاح حزب الله.

لا خطوات كبيرة بعد نحو إعادة الإعمار

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن لبنان بحاجة إلى 11 مليار دولار لإعادة بناء المنازل والبنى التحتية التي دمرتها الحرب. لكن أهم جهود إعادة الإعمار لم تبدأ بعد، إذ تربط بعض الدول الدعم المالي بتحقيق تقدم في نزع سلاح حزب الله.

شهد العام الجاري انتخاب بداية سليمان (41 عاما) عضوا في المجلس البلدي لبلدة حولا، لكنها لا تستطيع العيش في البلدة الحدودية منذ أن دمرت غارة إسرائيلية منزلها العام الماضي.

وتزور البلدة أسبوعيا لدعم الجهود المتواضعة الرامية إلى إعادة الخدمات العامة.

وقالت لرويترز «من خلال معاشرتي للناس وسماع شكواهم، بقول إن الحرب بعدها مستمرة، ووجع الحرب بعده مستمر».

وأصابت غارات إسرائيلية حولا هذا الشهر، وأظهرت الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية في 24 سبتمبر الواردة من بلانت لابس أضرارا جديدة واسعة النطاق في البلدة مقارنة بصورة التقطت في فبراير . ومع اقتراب فصل الشتاء، قالت سليمان إن الحاجة إلى المأوى ستزداد، لكن السكان يريدون أولا وقف الهجمات.

وأضافت «الناس بدها أول شي وبالمرحلة الأولى والأساسية الأمن لأنه اليوم فعليا شو ما قدمنا للناس أو قدمت الدولة والجهات المسؤولة من تعويضات وإلى آخره.. إذا ما اتوفر الأمن بيضل في نقطة ناقصة وهي النقطة الأساسية».

إسرائيل لم تلتزم بخطة وقف إطلاق النار

في خطوة وُصفت بأنها تحول نوعي في مسار الأزمة اللبنانية - الإسرائيلية، أعلنت مصادر دبلوماسية في ذلك الوقت عن اتفاق شامل لوقف الأعمال القتالية بين إسرائيل وحزب الله، بدأ تنفيذه من 27 نوفمبر 2024، برعاية الولايات المتحدة وفرنسا وتحت إشراف الأمم المتحدة، في مسعى لإعادة الهدوء إلى الحدود الجنوبية وتهيئة الأرضية لمرحلة استقرار طويلة الأمد.

وينص الاتفاق على توقف إسرائيل عن تنفيذ أي عمليات عسكرية ضد الأراضي اللبنانية، بما في ذلك الاستهداف الجوي والبحري والبري للمواقع المدنية والعسكرية ومؤسسات الدولة اللبنانية. وفي المقابل، تلتزم كل الميليشيات المسلحة في لبنان، وعلى رأسها حزب الله، بوقف كامل لأي عمليات ضد إسرائيل.

وكان من المتوقع أن يسهم وقف النار في تهيئة الظروف لعودة النازحين من الجانبين إلى مناطقهم، ويفتح الباب أمام انفراج إنساني ومعيشي واسع بعد أسابيع من التصعيد الذي شهد موجات نزوح كثيفة من الجنوب اللبناني والمناطق الحدودية الشمالية لإسرائيل.

وتضمن الاتفاق انسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان خلال مهلة لا تتجاوز 60 يوماً، على أن يواكب ذلك انتشار وحدات من الجيش اللبناني قوامها عشرة آلاف جندي في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني موزعين على 33 موقعاً حدودياً بإشراف الأمم المتحدة.

كما يقضي الاتفاق بـانسحاب قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، في خطوة ترمي إلى منع الاحتكاك المباشر بين مقاتليه والقوات الإسرائيلية، وتعزيز سلطة الدولة اللبنانية في المناطق الحدودية التي شهدت على مدى أعوام توترات متقطعة.

وكشفت مصادر دبلوماسية غربية في ذلك الوقت أن الاتفاق تضمّن ضمانات واضحة من واشنطن وباريس لتثبيت الهدوء ومنع أي خروقات ميدانية، من خلال قديم دعم عسكري وتقني للجيش اللبناني يعزز قدراته في مراقبة الحدود وضبط الأمن في الجنوب.

وأكدت البنود التزام الطرفين بـ القرار الدولي 1701، مع التشديد على أن حق الدفاع عن النفس يبقى مكفولاً وفقاً للقانون الدولي، في إشارة إلى التوازن الدقيق الذي يسعى الاتفاق لترسيخه بين ضرورات الأمن واعتبارات السيادة. وشملت الترتيبات الأمنية تفكيك جميع المنشآت العسكرية غير المرخصة في لبنان، ولا سيما تلك المرتبطة بصناعة أو تخزين الأسلحة، إضافة إلى مصادرة جميع الأسلحة غير المشروعة جنوب الليطاني.

واعتبرت هذه البنود من أكثر النقاط حساسية في الاتفاق، نظراً لما تمثله من تحدٍّ مباشر للبنية العسكرية لحزب الله، في وقت يرى فيه مراقبون أن التنفيذ الفعلي لهذا البند سيكون مؤشراً حاسماً على مدى جدية الأطراف في تمكين الدولة اللبنانية من بسط سيادتها الكاملة.

إلى جانب البنود العسكرية، نص الاتفاق على بدء مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل بإشراف أميركي – أممي، لحل النقاط المتبقية على طول الخط الأزرق، بما يتماشى مع القرار 1701. وتأتي هذه الخطوة امتداداً لنجاح مفاوضات ترسيم الحدود البحرية التي أُنجزت عام 2022.

فيما أعلنت بذلك الوقت الولايات المتحدة وفرنسا عزمهما قيادة جهود دولية لدعم التنمية الاقتصادية في لبنان، عبر مشاريع بنى تحتية وتنموية تستهدف المناطق الجنوبية، بما يُعرف بـخطة استقرار الجنوب، والتي تهدف إلى تحويل منطقة النزاع السابقة إلى فضاء للتنمية والاستثمار وتعزيز حضور مؤسسات الدولة.

التوازن الإقليمي

ورأى مراقبون أن هذا الاتفاق يشكّل اختباراً حقيقياً لمدى التزام الأطراف بالتهدئة، كما يعكس رغبة المجتمع الدولي في منع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.

وتوقع أن يشكل نجاح تطبيق الاتفاق منعطفاً في مسار العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، وأن يمهّد لمرحلة إعادة صياغة التوازن الأمني والسياسي في الجبهة الشمالية للمنطقة.

وفي حين تلتزم الأطراف المعنية الصمت حيال تفاصيل التنفيذ، تبدي الأوساط الدبلوماسية تفاؤلاً حذراً بإمكانية أن يشكل هذا الاتفاق نقطة انطلاق لمرحلة استقرار أوسع في الشرق الأوسط، إذا ما تم احترام بنوده ومراقبتها بجدية ومسؤولية دولية.

الضاحية الجنوبية
الغارات الإسرائيلية على لبنان مستمرة


إقرأ المزيد