لماذا غابت إيران عن تصويت قرار "حل الدولتين"؟
سكاي نيوز عربية -

هذا الغياب، الذي جاء رغم حضور البعثة الإيرانية الجلسة، يطرح تساؤلات بشأن الموقف الفعلي لطهران من القضية الفلسطينية، ويفتح الباب أمام نقاش أوسع بشأن الاستراتيجية الإيرانية في التعامل مع المحافل الدولية حول فلسطين وحل الدولتين.

الغياب الإيراني.. موقف دبلوماسي أم رفض استراتيجي؟

أوضح محمد صالح صدقيان، المحلل الخاص لسكاي نيوز عربية، خلال حديثه إلى برنامج "رادار" أن عدم مشاركة إيران في التصويت لا يعني تجاهلها للقضية الفلسطينية، لكنه يعكس موقفًا محددًا تجاه حل الدولتين والقرارات الدولية المرتبطة به.

"إيران لم تشارك في الجلسة. وبالتالي كان هناك تصريح للمندوب الإيراني. لكن عندما لم تشارك هذه الدولة، معنى ذلك بأنها تمتنع أو لديها موقف معين من أصل المشروع الذي قدم".

ويشير صدقيان إلى أن الغياب الإيراني يتماشى مع السياسة الرسمية لطهران التي لا تعترف بدولة باسم إسرائيل، ولا تؤيد حل الدولتين كخيار نهائي، معتبرة أن دعم الفلسطينيين يجب أن يكون شاملاً وعبر مسار مستقل يضمن حقوقهم الكاملة.

"إيران لا تعترف بحل الدولتين. لا تعترف بدولة اسمها إسرائيل، وإنما تقف مع فلسطين ومع دولة فلسطين".

هذا الموقف يعكس التناقض بين الخطاب الإيراني الرسمي الداعم للقضية الفلسطينية، وبين الممارسة السياسية الفعلية في المحافل الدولية، ويكشف عن استراتيجية دقيقة تعتمد على توخي الحذر في المواقف العامة دون التخلي عن دعم القضية الفلسطينية.

رؤية إيران حول الحلول السياسية.. الدولة الواحدة كخيار

يؤكد صدقيان أن إيران ترى في الانتخابات الشاملة لجميع الفلسطينيين، في الداخل والخارج، مع مشاركة اليهود والمسيحيين، وسيلة لتعيين شكل النظام السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذه الرؤية لا تتقيد بحل الدولتين التقليدي، بل تمتد إلى مقاربة أكثر شمولية.

"الدولة يتم الاستفتاء لشعوب هذا الأرض. وينتخبون شكل النظام السياسي. سواء في الداخل أو في الشتات أو في المخيمات. بما في ذلك المسيحيين واليهود والمسلمين".

وتعكس هذه الفكرة أن إيران تعتبر حل الدولتين كمرحلة مؤقتة، وليس الهدف النهائي، مؤكدة على أن تحقيق الحقوق الفلسطينية بشكل كامل يحتاج إلى خطوات سياسية وديمقراطية أوسع تشمل كل الفئات والأديان في الأراضي الفلسطينية.

تاريخ الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية

يربط صدقيان الموقف الإيراني الحالي بتاريخ طويل من الدعم للفلسطينيين، بدءًا من تأسيس منظمة فتح في العام 1965، مرورًا بالعديد من جولات الصراع مع إسرائيل، وصولًا إلى الأحداث الأخيرة منذ 7 أكتوبر.

إيران ترى أن هذه الجولات هي حلقات من سلسلة طويلة من الصراع تهدف في النهاية إلى تحرير فلسطين.

"القضية الفلسطينية عمرها أكثر من 75 عامًا، وكل حلقة من النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. أما تؤدي إلى نتيجة أو لا، لكنها بالتأكيد قضية مقدسة يجب أن تدعم".

وتوضح هذه الرؤية أن إيران تتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أنه جزء من مسار طويل الأمد، يراعي التاريخ الطويل للأحداث، ويستند إلى سياق المقاومة المستمرة منذ عقود.

محور المقاومة.. استراتيجية طويلة المدى

يعتبر صدقيان أن إيران ترى محور المقاومة كأداة استراتيجية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، سواء في لبنان أو العراق أو اليمن أو سوريا.

ورغم الانتكاسات التي شهدها المحور في بعض المناطق، تعتبر طهران أن هذه المراحل تمثل أجزاء طبيعية من صراع طويل ومستمر.

"تأثير محور المقاومة في هذه المرحلة ليس تراجعًا أو انتكاسة كما تصفه وسائل الإعلام الإيرانية، بل مرحلة من مسار طويل ربما بعد خمس أو عشر سنوات تكون هناك جولة جديدة".

يظهر هذا التحليل أن إيران تراهن على استمرار الصراع بشكل مرحلي ومدروس، مع التركيز على المدى الطويل لتحقيق هدفها النهائي: القضاء على الاحتلال الإسرائيلي وتأمين حقوق الفلسطينيين.

العلاقة الإيرانية مع حركات المقاومة الفلسطينية

يشير صدقيان إلى أن إيران وحركة حماس شهدتا تحولًا في موقفهما من حل الدولتين خلال السنوات الأخيرة. حماس قبلت قبل 4 إلى 5 سنوات بمشروع حل الدولتين، بينما بقيت حركة الجهاد الفلسطينية متمسكة بعدم القبول بهذا الحل.

"حماس تقبل بحل الدولتين، بينما حركة الجهاد لم تقبل لحد الآن بهذا المشروع".

وبحسب صدقيان، فإن إيران ترى أن الانتخابات الشاملة لكل الفلسطينيين، بما في ذلك في الشتات والمخيمات، تمثل الحل الأكثر عدالة واستدامة. ويعكس هذا التباين في المواقف التعقيدات السياسية الداخلية للفلسطينيين، بالإضافة إلى تعدد التحالفات الإقليمية والدولية التي تؤثر على المسار الفلسطيني.

من أوسلو إلى 7 أكتوبر.. مسار طويل من الإخفاقات

يوضح صدقيان أن فهم الموقف الإيراني يتطلب النظر إلى تاريخ الصراع الفلسطيني منذ عام 1948، مرورًا باتفاقيات أوسلو ومرحلة مدريد، وصولًا إلى أحداث 7 أكتوبر.

"كل الوعود التي طرحت في أوسلو لم تتحقق لحد الآن، ونحن لا زلنا في مخاض هذا الأمر".

ويشير إلى أن الوضع الداخلي في غزة، منذ سيطرة حماس على القطاع، اتسم بالفقر والحرمان والبطالة، ما جعل الخيارات السياسية والدبلوماسية أكثر تعقيدًا، ويعزز من موقف إيران الحذر تجاه الحلول الدولية التقليدية.

الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي

أكد صدقيان أن إيران ترى في غيابها عن التصويت جزءًا من سياسة الرد على العدوان الإسرائيلي، وليس بهدف التحرير المباشر لفلسطين.

"القضاء على إسرائيل هو تحصيل حاصل لتحرير فلسطين. لكن الإيرانيون يقولون بأنهم في الحرب الـ12 يومًا، لم يهدفوا إلى تحرير فلسطين مباشرة، بل للرد على العدوان الإسرائيلي".

يشير هذا التوضيح إلى أن الاستراتيجية الإيرانية تتعامل مع الصراع كشبكة من الردود المدروسة، التي تهدف في النهاية إلى حماية مصالحها الإقليمية، وفي الوقت نفسه دعم القضية الفلسطينية بشكل شامل.

إيران والدبلوماسية الدولية.. الحذر التكتيكي

يوضح صدقيان أن إيران تتبع سياسة حذرة في المحافل الدولية، لا تضع كل أوراقها في محور المقاومة، لكنها تراهن على مسار طويل مدروس لدعم القضية الفلسطينية عبر الأدوات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية.

"هذه قضية مقدسة ويجب أن تدعم وتراعى فيها كل القضايا، قضايا الاحتلال والقتل والإرهاب، وتفعل دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا في المحافل الدولية".

هذا يوضح أن الغياب الإيراني عن التصويت ليس ضعفًا أو تخاذلًا، بل يعكس رؤية استراتيجية تتوافق مع مصالحها الإقليمية طويلة الأمد.

حل الدولتين.. خطوة مرحلية نحو المستقبل

يختتم صدقيان تحليله بالتأكيد أن أي خطوة دولية تدعم الحقوق الفلسطينية، مثل حل الدولتين، تمثل خطوة إيجابية، حتى لو لم تكن حلاً نهائيًا: "حل الدولتين يعني حل إيجابي من أجل الجلوس في هذه الأراضي الفلسطينية التي يحرم منها الفلسطينيون وإقامة دولة فلسطينية، ربما تكون مرحلة لمرحلة أخرى لتحرير كل الأرض سواء بانتخابات تشمل اليهود والمسلمين والمسيحيين أو بشكل آخر".

ويشير إلى أن هذا النهج يعكس التزام إيران بدعم حقوق الفلسطينيين، مع إدراك محدوديات الحلول الدولية الحالية، والتأكيد على أن تحرير الأرض الفلسطينية الكامل يحتاج إلى مراحل متعددة ومسار طويل الأمد.

يمكن القول إن غياب إيران عن التصويت على إعلان نيويورك يمثل موقفًا استراتيجيًا مدروسًا، يعكس رفضها لحل الدولتين كخيار نهائي، وتأكيدها على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بشكل شامل. ويرتبط هذا الموقف بتاريخ طويل من دعم القضية الفلسطينية، ومسار مقاومة طويل الأمد ضد الاحتلال الإسرائيلي، مع مراعاة مصالح إيران الإقليمية والسياسية.

الموقف الإيراني يبرز الحذر التكتيكي في التعامل مع المحافل الدولية، والحرص على عدم الالتزام بحلول مرحلية لا تراها كافية، مع استمرار العمل على تعزيز محور المقاومة ودعم حقوق الفلسطينيين بشكل شامل، مما يجعل هذه السياسة انعكاسًا لرؤية شاملة وطويلة المدى تهدف إلى تحقيق العدالة التاريخية للفلسطينيين.



إقرأ المزيد