سكاي نيوز عربية - 9/15/2025 7:23:54 AM - GMT (+3 )

الإعلان تضمن مواقف واضحة: إدانة الهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنية التحتية في غزة، رفض التهجير والتغيير الديمغرافي، الدعوة لنشر بعثة دولية في القطاع، والتأكيد على ضرورة إنهاء الحرب.
لكن في المقابل، جاء الموقف الإسرائيلي حاداً، حيث وصفت وزارة الخارجية القرار بأنه "سيرك سياسي"، بينما شددت واشنطن على دعمها الثابت لتل أبيب.
زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى إسرائيل قبل جلسة جديدة في نيويورك كانت رسالة واضحة: لا عودة إلى أي صيغة تسمح لحماس بحكم غزة، وأمن إسرائيل سيبقى أولوية أميركية.
ترحيب عربي وإسلامي بالخطوة الأممية
لقي إعلان نيويورك دعماً واسعاً من دول مجلس التعاون الخليجي التي رأت فيه خطوة مهمة نحو السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي، فيما طالبت منظمة التعاون الإسلامي بتنفيذ فوري لبنوده.
جامعة الدول العربية بدورها اعتبرت القرار تعبيراً عن زخم دولي متزايد لحل الدولتين، في ظل توجه عدد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وغيرها للاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.
هذا الزخم يعيد طرح سؤال مركزي: هل يمكن أن يتحول الاعتراف الأممي إلى رافعة سياسية حقيقية، أم أنه سيظل محصوراً في الرمزية الدولية دون أثر ملموس على الأرض؟
بين الاعترافات الدولية والرفض الإسرائيلي
تاريخياً، لم يكن الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وليد اللحظة. جمال نزال ذكّر بأن هذه العملية تعود إلى عام 1988، حين أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية قيام الدولة الفلسطينية خلال المجلس الوطني في الجزائر.
منذ ذلك الحين، تراكمت اعترافات دولية واسعة، لكن دون أن تجد ترجمة سياسية كاملة بسبب موازين القوى الإقليمية والدولية.
اليوم، ومع إعلان نيويورك، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام نسخة جديدة من هذا المشهد: تأييد عالمي يتسع، لكنه يصطدم بالرفض الإسرائيلي والدعم الأميركي غير المشروط لتل أبيب.
السلطة الفلسطينية: الأهلية قبل الجاهزية
خلال مداخلته عبر برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"ذ، شدد عضو المجلس الثوري لحركة فتح والمتحدث باسم الحركة جمال نزال على أن "السلطة الفلسطينية مؤهلة قبل أن تكون جاهزة" لتولي الحكم في غزة.
الميزة الأساسية للسلطة، بحسب نزال، أنها تمثل الكيان الوحيد القادر على تجسيد فكرة الدولة الفلسطينية عملياً.
فالمجتمع الدولي، سواء كان عربياً أو غربياً، لا يطالب بوجود السلطة في غزة بدافع المجاملة، بل لأن الشرعية الدولية تقتضي أن تكون السلطة هي المرجعية المعترف بها.
نزال أوضح أن الأهلية هنا تعني المكانة القانونية والسياسية للسلطة، بينما "الجاهزية" معيار مادي قد يعتريه النقص أو يزداد مع الوقت.
تجربة بناء المؤسسات الفلسطينية
عند حديثه عن المؤسسات، أعاد نزال التذكير بأن السلطة لم تكن موجودة عام 1993. نشأت بعد اتفاق أوسلو ودخول القيادة الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة عام 1994، لتبدأ مرحلة بناء مؤسسات الدولة.
وفي عام 2008، أصدرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي تقارير متطابقة أكدت أن مؤسسات الدولة الفلسطينية جاهزة وقادرة.
هذه الشهادات الدولية مثّلت، بحسب نزال، برهاناً على أن الفلسطينيين لم يكتفوا بالطرح السياسي بل أنشأوا مؤسسات قادرة على إدارة دولة.
لكن المشكلة اليوم أن هذه المؤسسات تواجه وضعاً مادياً صعباً، ما يجعل الدعم المالي الدولي شرطاً لاستمرارها وحمايتها.
دعم مالي وسياسي.. ضرورة لا غنى عنها
أشار نزال إلى أن السلطة بحاجة إلى دعم مالي مباشر لتستمر وتبقى قادرة على أداء دورها، خاصة في ظل الضغوط الإسرائيلية المستمرة.
فالسلطة، كما قال، ليست مجرد هيكل إداري، بل ضمانة لبقاء ملايين الفلسطينيين، بمن فيهم اللاجئون في لبنان وسوريا الذين يرون في السلطة مرجعيتهم السياسية. من هنا، فإن حماية السلطة هي حماية للوجود الفلسطيني نفسه.
فشل الخيار العسكري الإسرائيلي
منذ عام 1948، اعتمدت إسرائيل على القوة العسكرية لتثبيت وجودها وفرض وقائع جديدة. لكن جمال نزال تساءل بوضوح: "أين نجاح إسرائيل في هذا الخيار العسكري؟".
بعد مرور 77 عاماً من الحروب والصراعات، ما تزال إسرائيل تعيش في حالة حرب دائمة وتجر جنودها من جبهات إلى أخرى دون حسم.
الخلاصة التي قدمها نزال واضحة: الخيار العسكري فشل، والحل الوحيد المتاح هو "الحل الوسط"، أي إقامة دولة فلسطينية ضمن صيغة حل الدولتين. هذا الحل، وإن لم يكن عادلاً بالكامل، يظل السبيل العملي لإنهاء النزاع.
إسرائيل بين العزلة والاعتماد على واشنطن
اعتبر نزال أن إسرائيل اليوم تواجه عزلة دولية متنامية، وأن واشنطن لم تعد وسيطاً بل شريكاً يوفر الغطاء لسياساتها. ومع ذلك، فإن هذا الغطاء مهدد بالتآكل.
أشار نزال إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي اعترف فيها بأن إسرائيل تخسر تأييد الرأي العام الأميركي ونفوذها داخل الكونغرس. هذا التحول يهدد الركيزة الأساسية للسياسة الإسرائيلية القائمة على الضمانات الأميركية.
وبالتالي، فإن فيتو واشنطن في مجلس الأمن قد لا يبقى ضمانة دائمة في المستقبل، ما يفتح الباب أمام ضغوط دولية أكبر على تل أبيب.
الاستيطان.. الخطر الأكبر على الأرض
رغم الإجماع الدولي المتزايد على حل الدولتين، تواصل إسرائيل توسيع المستوطنات بوتيرة غير مسبوقة، إذ تجاوز عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس 750 ألفاً.
أخطر ما في الأمر، وفق المعطيات التي جاءت في التقرير الأممي، أن مشاريع مثل "إي وان" تهدد بتقسيم الضفة الغربية إلى شطرين شمالي وجنوبي، ما ينسف أي تواصل جغرافي لدولة فلسطينية مستقبلية.
جمال نزال لفت إلى أن الضغط الفلسطيني الشعبي والدولي ساهم في تجميد مشروع "إي وان" منذ عام 1991، وهو ما يثبت أن العمل الدبلوماسي قادر على تعطيل مخططات الضم.
بين حماس والسلطة.. الشرعية هي الفيصل
عن دور حماس، أكد نزال أن الحركة فقدت أوراقها جميعها، وأن السلطة وحدها تمتلك الشرعية الدولية والمؤسساتية لإدارة غزة. وأوضح أن المجتمع الدولي، بما فيه الاتحاد الأوروبي، يراقب بدقة كل يورو يُصرف، ما يجعل أي حديث عن فساد واسع داخل السلطة غير دقيق.
وأكد أن السلطة قادرة على تولي مسؤولية غزة، وأن تدريبات الشرطة في مصر والأردن تندرج ضمن الاستعدادات العملية لذلك اليوم.
الاستقلال الفلسطيني.. فكرة لم تعد وهماً
اختتم نزال بالتأكيد على أن فكرة الاستقلال الفلسطيني لم تعد مجرد حلم أو وهم، بل باتت تحظى بإجماع عالمي واسع، مدعوم من دول عربية وغربية.
وأشار إلى أن هناك حلفاً دولياً "عظيم الأهمية والحجم" يقف خلف فكرة الدولة الفلسطينية، وأن مهمة الفلسطينيين اليوم هي البناء على هذا الزخم الدولي وتحصينه بمزيد من الاعترافات والضغط السياسي.
وبالنسبة له، فإن الاعترافات الدولية هي "الوصفة"، لكن إنجاح هذه الوصفة يحتاج إلى "المقادير" التي تتمثل في دعم السلطة الوطنية الفلسطينية مادياً وسياسياً، وحماية مؤسساتها من محاولات الإضعاف والتفكيك.
إقرأ المزيد