سكاي نيوز عربية - 9/15/2025 7:04:40 AM - GMT (+3 )

روبيو، أحد أبرز داعمي إسرائيل داخل الإدارة الأميركية، اختار أن يفتتح زيارته بتأكيد أن الخلاف حول الهجوم على الدوحة لن يغيّر من دعم واشنطن لتل أبيب.
هذه الرسالة لم تكن موجهة لإسرائيل فقط، بل للدول العربية أيضًا، كي تفهم أن حدود الاعتراض الأميركي على إسرائيل تبقى رمزية أكثر من كونها فعلية.
رسالة واشنطن.. الخلاف لا يلغي التحالف
في تصريحاته العلنية، شدد روبيو على أن العلاقة الأميركية الإسرائيلية ليست مجرد "نفوذ"، بل تأثير متبادل، وأن الخلافات التكتيكية لا تمس جوهر الدعم.
هذا الموقف ينسجم مع رؤية الرئيس ترامب، الذي يرى أن أي نقاش بشأن غزة أو قطر أو حتى الضفة الغربية يجب أن يتم في إطار المصالح الاستراتيجية المشتركة.
لكن خلف هذا الخطاب، تبرز تساؤلات: إلى أي مدى يمكن لإدارة ترامب أن تواصل منح إسرائيل شيكًا مفتوحًا، في وقت تتزايد فيه التحديات الإقليمية والدولية؟
تسريبات أكسيوس: الضم على الطاولة
موقع "أكسيوس" كشف أن روبيو سيناقش مع نتنياهو إمكانية ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية، كرد على موجة الاعترافات الأوروبية المتوقعة بالدولة الفلسطينية.
مسؤولون إسرائيليون أكدوا أن نتنياهو لم يتخذ قرارًا بعد، لكنه يريد معرفة موقف ترامب.
ووفق ما نقله الموقع، فإن إدارة ترامب لا تعارض مبدئيًا هذا الخيار، ما يفتح الباب أمام سيناريو خطير يهدد بتقويض ما تبقى من الثقة بين الدول العربية المعتدلة وإسرائيل.
لا ضوء أحمر أميركي
رأى محرر الشؤون الإسرائيلية لـ"سكاي نيوز عربية" نضال كناعنة خلال حديثه إلى برنامج "الظهيرة "أن نتنياهو يقرأ زيارة روبيو كفرصة ذهبية، لأنه يدرك أن هامش المناورة أمامه واسع.
فغياب "الضوء الأحمر" الأميركي يعني ضمنيًا أن هناك ضوءًا أخضر أو على الأقل سماحًا بالتحرك.
وأوضح كناعنة أن القضية تتجاوز مجرد ملف الضم، لتصل إلى جوهر العلاقة الأميركية الإسرائيلية.
فواشنطن لطالما اعتبرت إسرائيل بمثابة حاملة طائرات استراتيجية في المنطقة، لكن المشهد الإقليمي تغير: دول عربية رئيسية، مثل مصر والإمارات والأردن، نسجت علاقات قوية مع واشنطن وإسرائيل في آن واحد، ولم يعد ممكنًا تجاهل مصالحها.
كناعنة حذر من أن تصرفات إسرائيل في الضفة وغزة قد تربك شركاءها العرب، وتضعهم في مواقف داخلية صعبة. فالإمارات، التي ربطتها بإسرائيل اتفاقيات إبراهام قبل 5 سنوات، لن تتراجع عن خيارها الاستراتيجي، لكنها تجد صعوبة في تبرير ممارسات تل أبيب التي تناقض روح الاتفاقيات.
الأردن، من جهته، يقف أمام معضلة أكبر، فالمساس بالقدس والمسجد الأقصى يعني تهديدًا مباشرًا لوصايته الدينية ولأمنه الداخلي. أما مصر، فاستمرار الحديث عن التهجير إلى سيناء يضع اتفاقية كامب ديفيد تحت اختبار غير مسبوق.
الحسابات الداخلية لنتنياهو: أولوية على حساب الاستقرار
يرى كناعنة أن نتنياهو يتعامل مع الملفات الإقليمية بمنطق داخلي بحت، حيث يقدم اعتبارات بقائه السياسي وتوازناته مع شركائه في اليمين المتطرف على حساب علاقاته مع العالم العربي.
في هذا السياق، يصبح دعم واشنطن له بمثابة دعم غير مباشر لخيارات شخصية أكثر من كونه دعمًا لاستراتيجية طويلة المدى. هذا المنطق قد يقود إلى تصادم بين مصالح إسرائيل الآنية ورغبة حلفائها العرب والدوليين في الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار.
زيارة تنسيق لا مفاجآت
من جانبه، قلل محلل الشؤون الأميركية في "سكاي نيوز عربية" موفق حرب من إمكانية أن تحمل زيارة روبيو مفاجآت كبيرة، معتبرًا أن التنسيق الأميركي الإسرائيلي قائم يوميًا عبر قنوات مختلفة، وأن زيارة الوزير تأتي بالأساس لترميم صورة واشنطن بعد عملية الدوحة.
حرب رأى أن السؤال الحقيقي ليس عن مدى الغضب الأميركي من نتنياهو، بل عن شكل التعويض الذي قد تمنحه واشنطن للعرب مقابل استمرار دعمها لإسرائيل.
وبحسب حرب، فإن إسرائيل غالبًا ما تطالب بثمن مقابل أي تنازل أو التزام تجاه واشنطن. فإذا ضغطت الإدارة الأميركية على نتنياهو لعدم تكرار عمليات مشابهة في الدوحة، فقد تطالب تل أبيب في المقابل بدعم أكبر في مواجهة موجة الاعترافات الأوروبية بفلسطين، سواء عبر الأمم المتحدة أو عبر عقوبات على دول أو شخصيات داعمة للتحقيقات الدولية ضد إسرائيل.
قطر في قلب المعادلة
خلقت العملية الفاشلة التي استهدفت وفد حماس في الدوحة صدعًا إضافيًا. فواشنطن مطالبة اليوم بطمأنة قطر، الدولة الحليفة التي تستضيف قاعدة العديد وتتمتع بعلاقات اقتصادية واستراتيجية واسعة مع الولايات المتحدة.
لكن في الوقت نفسه، لا تريد واشنطن إظهار أي ضعف أمام إسرائيل. هذا التوازن الدقيق يجعل زيارة روبيو جزءًا من عملية أكبر: محاولة احتواء الغضب العربي والإسلامي دون التضحية بالتحالف الراسخ مع تل أبيب.
بين غزة والضفة.. مقايضات محتملة
تطرح الزيارة أيضًا تساؤلات بشأن العلاقة بين ملفات غزة والضفة الغربية. هل يمكن أن توافق إسرائيل على إنهاء الحرب في غزة أو التخفيف من حدتها، مقابل قبول أميركي بضم محدود في الضفة؟
موفق حرب ألمح إلى أن هذا السيناريو مطروح ضمنيًا، خصوصًا وأن ترامب يريد إنهاء الحرب لكن بشروط إسرائيلية لا تتناقض مع تعريف نتنياهو لـ"النصر".
مثل هذه المقايضة، إن تمت، قد تعمّق الانقسام بين الدول العربية التي ترى في الضم خطًا أحمر، وبين واشنطن التي توازن بين أولويات متعارضة.
أوروبا تعترف بفلسطين.. معضلة جديدة لواشنطن
ما يضاعف المأزق الأميركي هو أن الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية لا تنطلق من عواصم عربية، بل من باريس وبرلين ومدريد.
هذا يضع إدارة ترامب أمام معضلة غير مسبوقة: كيف تدافع عن إسرائيل ضد شركائها الغربيين التقليديين؟ الدعم غير المشروط لنتنياهو قد يضع واشنطن في مواجهة مع الرأي العام الأوروبي، ويقوّض وحدتها مع حلفائها في الناتو والاتحاد الأوروبي.
الداخل الإسرائيلي.. معارضة تتقاطع مع الموقف العربي
المفارقة أن جزءًا كبيرًا من المعارضة الإسرائيلية، وحتى قيادات أمنية وعسكرية، تتبنى مواقف أقرب إلى الطرح العربي والدولي منه إلى خط نتنياهو.
أهالي المحتجزين يحمّلون نتنياهو مسؤولية إطالة الحرب وعدم إطلاق سراح أبنائهم. يائير لابيد وصف سياسات نتنياهو بأنها تشكل خطرًا وجوديًا على إسرائيل نفسها.
هذه الأصوات تجعل من الدعم الأميركي غير المشروط أكثر إثارة للجدل، إذ يبدو أنه يقف ضد إرادة الأغلبية داخل إسرائيل وليس فقط ضد مواقف العرب.
زيارة روبيو إلى إسرائيل قد لا تحمل قرارات صاخبة، لكنها تعكس بوضوح طبيعة المرحلة: واشنطن تحاول التوفيق بين دعمها التاريخي لإسرائيل، وضرورة الحفاظ على شبكة تحالفاتها العربية، ومواجهة الضغوط الأوروبية المتزايدة.
في هذا الإطار، تصبح كل كلمة تصدر عن روبيو أو ترامب مؤشرًا على معادلة معقدة: كيف تحافظ أميركا على مكانتها في الشرق الأوسط من دون أن تظهر وكأنها رهينة لحسابات نتنياهو الداخلية.
التساؤل يبقى مفتوحًا: هل تتحول زيارة روبيو إلى مجرد جسر لاحتواء الأزمة بعد عملية الدوحة، أم ستكون بداية لتسوية أوسع تشمل غزة والضفة معًا؟
الإجابة رهن بما إذا كانت واشنطن مستعدة للانتقال من سياسة إدارة الأزمات إلى محاولة صياغة حل استراتيجي يوازن بين إسرائيل والعالم العربي.
إقرأ المزيد