اعتقال رئيس!
صحيفة عكاظ -

تسعى الإدارات الأمريكية على اختلافها لفرض هيمنة الولايات المتحدة السياسية والعسكرية على دول العالم شرقاً وغرباً، وغالباً ما تتخذ هذه الهيمنة ذرائع شتى، بل إنها لا تتردد في اتخاذ إجراءات بعينها بعيداً عن قرارات المنظمة الأممية ومجلس الأمن في حال وجدت صعوبة في الحصول على تأييد كافٍ لتوجهاتها، ولعل احتلالها للعراق العام 2003 لإسقاط النظام العراقي وقتئذٍ لأبلغ مثال على مثل هذه التوجهات، فالولايات المتحدة ليست مجرد قوة عظمى تقتصر اهتماماتها على الداخل الأمريكي فحسب، بل هي لاعب قوي ومؤثر يسعى لأن يدير شؤون العالم أجمع وفقاً لمنظومة قيمه الخاصة.

من الواضح أن التدخل العسكري الأمريكي في القارة الجنوبية ليس بجديد ولا مستحدث، فالولايات المتحدة ترى أن هذه المنطقة تمثّل امتداداً طبيعياً وجغرافياً لها قبل أن تكون بوابة لأمنها السياسي والقومي والعسكري، وهي ترى دوماً بأن تلك المنطقة تجلب المخدرات والإرهاب للداخل، لذا تسعى باستمرار للتحكّم في أنظمتها السياسية الحاكمة، ولعل أبرز الحوادث السياسية خلال العقود القليلة الماضية كانت في بنما، عندما قامت القوات الأمريكية باعتقال رئيس بنما السابق مانويل نورييغا بتهم ضلوعه في الاتجاربالمخدرات وغسل الأموال وذلك بعد غزو القوات الأمريكية لبنما في 1989، وقد تمّت محاكمته في الولايات المتحدة وحكم عليه بالسجن لمدة 40 عاماً خفّضت إلى 17 عاماً لاحقاً.

من المؤكد أن التحركات العسكرية الأمريكية في منطقة الكاريبي التي تشهد توترات حالية لمطاردة تجار المخدرات في فنزويلا تحاول إعادة رسم خارطة المنطقة والقوى العالمية المؤثرة فيها مرة أخرى، فها هي الولايات المتحدة تعيد الجدل من جديد إزاء واحدة من أشرس المعارك السياسية التاريخية في العالم خلال حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق؛ حين سعى كل معكسر للإضرار بالدول التي تنتمي للمعكسر الآخر عوضاً عن الصراع المباشر بين القوتين العظميين حينذاك، وهو ما ترك بصماته الواضحة على العلاقات بين دول العالم خلال تلك الآونة، وعرّض العالم لأزمات متكررة حتى كاد الصراع العسكري يندلع بالفعل بل ويتحوّل لحرب نووية كما حدث خلال أزمة الصواريخ الكوبية 1962.

يؤمن الرئيس دونالد ترمب بما يصطلح عليه المحللون السياسيون بالسلام القوي، وهو ما يعني إحلال السلام بالقوة حتى وإن استدعى الأمر التدخل العسكري المباشر، ويريد الرئيس ترمب من العالم أن يؤمن بأنه رجل السلام الذي حلّ العديد من الصراعات السياسية في وقت قياسي، لذلك فهو لم يتردد عن اتهام الرئيس الفنزويلي بأن بلاده مستمرة في تهريب المخدرات، كما اتهم الرئيس الكولومبي أيضاً بأنه شرير وزعيم عصابة مخدرات، وهو ما تنفيه بالطبع الدولتان اللتان تسعى كل منهما بكل جهدها لتفادي نشوب حرب عسكرية بين أي منهما وبين الولايات المتحدة، ويحاول رئيساها أن يتحلى كل منهما بالصبر وسعة الأفق إزاء تلك التصريحات السياسية المستفزة التي تتعارض مع كافة البروتوكولات والأعراف الدبلوماسية.

التحرك العسكري الأمريكي الأخير لا يعدّ غريباً أو غير مسبوق، بل هو تحرك أمني معتاد دأبت على تطبيقه الولايات المتحدة الأمريكية على مدار تاريخها الحديث وباختلاف كافة إداراتها سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، ويحبس العالم الآن أنفاسه مع تصاعد الأحداث في منطقة الكاريبي بعد سلسلة الضربات العسكرية التي وجّهتها الولايات المتحدة لعدد من الزوارق التي تتهمها بالاتجار في المخدرات والتي قتلت على متنها العشرات حتى لحظة كتابة هذه السطور، مع التلويح بإمكانية الدخول البري لفنزويلا، فهل تكشف الأيام القادمة عن مفاجآت جديدة ويتكرر سيناريو الاعتقال الذي لحق برئيس بنما حيث تغزو الولايات المتحدة فنزويلا وتقتاد مادورو لساحات قضائها حيث يحاكم هناك؟ أم أن الأمر سوف يقتصر على تلك المناوشات التي سرعان ما ستختفي وتتآكل بمرور الزمن.

أخبار ذات صلة



إقرأ المزيد